من طرف anas555 السبت مايو 01, 2010 2:14 pm
|
تشيرنوبل بعد 19 سنة على الكارثة.. قرى مهجورة انتعشت فيها الذئاب والثيران والطيور رغم ازدياد عدد سكانها بـ 80 ألف نسمة منذ الحادثة النووية تشيرنوبل (اوكرانيا): بيتر فين * فحص ضابط شرطة عند عبورنا اول نقطة تفتيش خطاب الدعوة الرسمية الذي كنا نحمله ونظر ايضا الى الجزء الخلفي من السيارة التي كنا نستقلها قبل ان يشير إلينا بمواصلة السير صوب منطقة تشيرنوبل التي يحتاج دخولها الى تصريح رسمي. مرت سيارتنا بـ 74 قرية مهجورة ومبان اخرى قديمة وسط مساحات خضراء وحشائش يبدو واضحا من طولها ان المنطقة مهجورة تماما. علمنا ان كثيرين من سكان هذه المنطقة يعيشون الآن في شقق بعمارات سكنية عالية في المنطقة الواقعة بين تشيرنوبل وكييف التي تبعدها 60 ميلا الى الشمال الشرقي. بدأ السائق يقود السيارة بسرعة متوسطة، ما مكنني من رؤية المنطقة وطبيعتها بتركيز اكبر، وقال لي السائق ان الكثير من الحيوانات، وعلى وجه الخصوص الخنزير البري، اعتادت التجول ببطء وهدوء في هذه المنطقة وسط أشجار الصنوبر، اذ ان الخروج الجماعي للسكان من المنطقة عقب انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي في ابريل (نيسان) 1986 كان في مصلحة نمو وانتعاش الحياة البرية في هذه المنطقة. هناك في المنطقة ذئاب ووعول وغزلان وثعالب وثيران برية، كما ان المهتمين بالطيور رصدوا أنواعا من الصقور والنسور والبوم واللقلق والكركي الاخضر. تعيش الاسماك بكميات هائلة فضلا عن الحياة المائية الغنية في برك المنطقة. الحياة غنية ومتنوعة هنا، إلا ان المكان لا يزال مخيفا ومثيرا للرعب. يرى الزائر بوضوح عددا من التلال الصغيرة المنتشرة وقد ظهرت فوقها لافتات تشير الى الأماكن التي دفن فيها الحطام الملوث داخل حفر أعدت على عجل ووضع فوقها التراب. الصيد بصورة عامة، وصيد الأسماك خصوصا، حظر تماما فى منطقة دائرية نصف قطرها 19 ميلا في كل الاتجاهات تبدأ من المفاعل النووي المدمر وتصل حتى بيلاروسيا المجاورة. كان يسكن مدينة تشيرنوبل، التي تبعد عدة أميال من المفاعل النووي، حوالي 10000 شخص ويقطنها حاليا حوالي 90000 شخص يعملون في إغلاق وتفكيك محطة الطاقة النووية وصيانة الغابات والخزانات. اذا لم تكن هناك حياة نشطة وصاخبة، فإن هناك على الأقل مؤشرات على وجود حياة بشرية، إذ يلاحظ الزائر وجود مكاتب ومتاجر بها حركة ونشاط واضحان، وغسيل منشور على نوافذ المنازل. تمثال لينين الموجود خارج مبنى بلدية تشيرنوبل طلي أواخر العام الماضي باللون البرتقالي، وهو اللون الذى اختاره مؤيدو التمرد الشعبي التي انتهى بمجيء حكومة جديدة في كييف العام الماضي. يمر الزائر بمركز تشيرنوبل للاستعلامات لأخذ نسخة من دليل ارشادات الزائر، ويرافق توري تتارشوك، 32 سنة، الصحافيين والعلماء والسياح في مختلف مواقع هذه المنطقة. المحطة التالية هي المفاعل رقم 4، الذي وضع عليه غطاء اسمنتي عقب الانفجار، ومن المقرر تغييره قبل نهاية العقد الحالي، إلا اذا انهار. وهناك خطط لتغطيته بقبة معدنية. وفي الاتجاه المحاذي يوجد المفاعل رقم 3 الذي اغلق عام 2000. وهناك مفاعلان جرى تفكيكهما مسبقا بالإضافة الى مفاعلين لم يكن العمل قد اكتمل فيهما في السابق. وتشق هذا المجمع قناة تبريد تقود الى بركة تبريد بمساحة 8.5 ميل مربع. يمكن النظر الى المفاعل المدمر على بعد حوالي 300 ياردة عبر نافذة واسعة في مبنى كان يستخدم كمركز للمعلومات، إلا ان التصوير من هذه النقطة محظور لأسباب أمنية. وكان ما يزيد على 200 الف من عمال الطوارئ قد عملوا في فرز الحطام النووي خلال الشهور والسنوات التي أعقبت الانفجار. وتظهر على جدران تشيرنوبل بعض الشعارات السوفياتية القديمة مثل «الصداقة بين شعوب الاتحاد السوفياتي أقوى من الذرة». وجبة الغداء في تشيرنوبل عبارة عما كان يطلق عليه خلال الحقبة السوفياتية «قائمة الطعام الثابتة»، اما وجبة غداء ذلك اليوم فقد كانت مكونة من سلطة الطماطم وحساء الخضار واللحم ومياه معدنية. ويلاحظ ان العمال ليس لديهم اهتمام يذكر بالسياح الاميركيين والكنديين واليابانيين الذين يطلقون نكاتا حول الخضروات غريبة الشكل. شيدت مدينة بريبيات خلال عقد السبعينات على بعد نحو ميلين من مفاعل تشيرنوبل. كانت بريبيات مدينة نموذجية فتية عندما جاء انفجار تشيرنوبل عام 1986 بمثابة حكم بالإعدام عليها. منطقة المشاة بشارع لينين في بريبيات باتت اشبه بمنطقة أحراش وأصبحت الطحالب تغطى جنبات رصيف المشاة، اما الشقق السكنية فلا تزال موجودة، لكنها خالية تماما من أي نوع من الحياة. يقود هذا الشارع الى ساحة عامة يحيط بها قصر الثقافة ومجمع رياضي و«فندق بوليسا» والمقر العام المحلي للحزب الشيوعي ومتجر كبير. بالقرب من هذه المنشآت كانت هناك حديقة عامة للترفيه بها مجموعة من الألعاب الترفيهية للكبار والأطفال كان مقرراً افتتاحها في يوم عيد العمال عام 1986، إلا ان ذلك لم يحدث بسبب كارثة تشيرنوبل. المواقع التي تحتوي على مستويات عالية من الإشعاع لا تزال موجودة في عدد من نواحي المدينة والمنطقة بصورة عامة، إلا ان السلطات رفضت طلبا تقدمنا به لزيارة موقع به حوالي 2000 مركبة تضم سيارات ورافعات وشاحنات وماكينات كانت قد تعرضت بفعل الانفجار الى مستويات عالية من الاشعاع. توقفنا في رحلة العودة بمنزل ايفهينا روبانوفا، وهي سيدة في الـ 76 من العمر وواحدة من 358 من السكان المسنين الذين عادوا الى منازلهم في المنطقة. وتقول ايفهينا انها منحت شقة عقب ترحيلها لكنها لم تستطيع العيش فيها لأنها لم تعتد العيش بعيدا عن تشيرنوبل وفضلت العودة الى منزلها عام 1989 غير آبهة بخطر الإشعاعات، وتقول انها لو كتب لها الموت فإنها ستموت سواء كان ذلك بسبب الإشعاعات أو غيرها. * خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»
|
|